-

هل يفكر المديرون كما يفكر موظف هذا العصر

هل تعرف حقاً ماذا يريد موظفوك... راجع حساباتك!
ميكاييل هولشو و سكوت فلاندر

طوال العقود الماضية كان يبدو أن معظم الإداريين يعرفون ما الذي يجعل الموظّفين موالين لمنظّماتهم و ما الذي يجعلهم سعداء في أعمالهم. كان أغلب الاستطلاعات و الدراسات و جهود التطوير و التوعية يركّز على ما يزعم أنها الأسئلة الأهم أو التي ينبغي أن تكون الأهم لدى كلّ الموظفين: (هل تقدرني منظمتي حقّ قدري؟) (هل أنا جزءٌ مهمّ متكاملٌ مع بقية الأجزاء في منظّمتي؟)

معظم الاستطلاعات المنفّذة في العقدين الماضيين كان يشير دائماً إلى عاملٍ واحد في القمة أو قريباً منها على الدوام (المناخ الإداري السائد في المنظّمة) و يليه في الأهمية العلاقة مع المشرف المباشر.

و كان يقال -و ما يزال- للموظفين إنّ المال يقع في الدرجة السادسة أو السابعة قريباً من أسفل قائمة اهتمامات الإنسان و عوامل بناء الموالاة لديه.

هل يفكّر المديرون كما يفكّر موظّف هذا العصر حقاً؟
أظهرت دراسة حديثة شملت أكثر من 500 مدير للموارد البشرية و نحو 3000 موظف أجرتها مؤسسة هاريس إنترآكتيف البحثية لصالح شركة سفيريون المتخصصة في تأمين العمالة أن كثيراً من اختصاصيي الموارد البشرية في أيامنا هذه باتوا بعيدين بعداً هائلاً عن التصوّر الواقعي للأمور التي تسعد موظفيهم و تجعلهم موالين للمنظمات التي يعملون فيها.

فبعد أن طلب من مديري الموارد البشرية أن يرتّبوا أهمّ العوامل في موالاة الموظفين و في سعادتهم بعملهم وضعوا المناخ الإداري في الدرجة الأولى ثم أتبعوه في المرتبة الثانية بعلاقة الموظف مع المشرف المباشر.

و أمّا الموظفون فقد أجابوا على السؤال ذاته باختيار الرعاية الصحيّة و المزايا الأخرى، و التعويض المالي، و فرص النموّ و إمكانيات زيادة الكسب لتشغل المراتب الثلاث الأولى. و أما المناخ الإداري فقد وضعوه رابعاً و تركوا للعلاقة مع المشرف المباشر المرتبة السابعة!

و مقابل هذا التطوّر في تقديرات الموظفين نجد كثيراً من المديرين و ضمنهم - مديرو الموارد البشرية- ما يزالون يضعون المسائل المالية و المادية في المرتبة السابعة.




لماذا يتغيّر الواقع و لماذا لا يرى تغيّره كثير من المديرين؟
ما القصة يا ترى؟ ما هي أسباب هذه التحولات الكبيرة في الواقع و هذه الثغرات الكبيرة في وجهات النظر؟

تعتقد لوريتا بين - الإدارية في شركة سفيريون التي أجريت الدراسة السابقة لصالحها- أن كثيراً من الشركات ليس لديها وسائل فعالة لمعرفة ما يجول في صدور و رؤوس موظفيها. إن تحصيل هذه المعرفة ليس بالأمر السهل أبداً و أول ما يتطلبه هو التزام كل حلقات الإدارة به و خصوصاً الإدارة العليا.

في مقابل هذا الالتزام المطلوب ماذا نرى؟
تقول بين "بسبب تعدّد الاهتمامات و المشاريع أمام المدير فإننا نراه يوكل أحد تابعيه المباشرين – مدير الموارد البشرية غالباً- بإجراء تقويم لرضا الموظفين في الشركة. يضع المدير الموكل هذه المهمة على لائحة مهماته و يجري زياراتٍ ميدانية إلى بعض مكاتب الشركة و مواقع عملها ليحصل على إجابات يقول مجموعها "كل شيءٍ بخير و لا داعي للقلق أبداً" و زيادةً في الاطمئنان يتبع هذه الزيارات حفلة تكريم مخصّصة لإبراز تقدير الشركة لموظفيها و ربما يقوم مدير الموارد البشرية بمزيدٍ من البحث بين حضور الحفلة ليحصل – بالتأكيد- على الإجابات السارّة التي يتمنّاها".

و يقول جوني تايلور صاحب الخبرة التنفيذية الرفيعة في إدارة الموارد البشرية " إن تصاعد التركيز على التعويض المالي و النواحي المادية الأخرى هو انعكاس لما يحدث في الاقتصاد. إننا نشهد اليوم بين الموظفين اهتماماً عميقاً و منتشراً بالأمان الوظيفي في الوقت الذي يرون فيه ممتلكاتهم و وظائفهم تتبخر من بين أيديهم أو تكاد" و يرى جوني أن كثيراً من مديري الموارد البشرية بعيدون عن الإدراك الدقيق لاهتمامات الموظفين الحاليّة.

لقد نشؤوا على مبادئ إدارة الموارد البشرية التي تنصّ على أن الأهم للناس هو المناخ الإداري و ليس المال، كيف يُعامل الناس و كيف يُعبّر عن احترامهم و ليس علامَ يحصلون.

ويتابع جوني: بالنظر إلى أن مرتبات كثير من المدراء تبقى في كلّ الأحوال كافيةً لتجنيبهم مساوئ الغلاء و التضخم و التكاليف المتزايدة التي يتحملها أغلب الموظفين و العاملين و بالنظر إلى أنه عندما تضطر الشركات إلى ترشيق بنيتها بالتخلّي عن موظّفيها فإن هؤلاء المديرين -الممسكين بالمقص- هم آخر من يقلق على مستقبله و آخر من يفكّر في جعل الأمان الوظيفي أولويةً لا يتقدم عليها أي اعتبارٍ من اعتباراتِ مناخ العمل و علاقاته.

هنالك قدرٌ لا يستهان به من الإنكار في محافل إدارة الموارد البشرية، إنهم لا يريدون رؤية أن الناس يعملون لأجل المال. و لكن لا يمكن الاستمرار في ذلك أبداً. لا بدّ من الإقرار بأن الناس يوشكون على فقدان الثقة بالاقتصاد و بما تحمله الأيام القادمة

كيف نعرف فيمَ يفكّر الموظّفون معرفةً صحيحة:
من أهم العوامل في تشويه صورة الواقع لدى المديرين و أخصائيي الموارد البشرية الخللُ في أساليب تحصيل المعلومات و عدم انتباه المديرين إلى هذا الخلل. إنّهم يحصّلون كلّ معلوماتهم بطرقٍ غير مباشرة ثم لا يدقّقون معلوماتهم و لا يحدِّثون قناعاتهم بناءً على الملاحظة المباشرة لتغيّر ظروف العمل و تغيّر احتياجات الناس و مواقفهم و بناءً على العلاقات الإنسانية الصحيّة ضمن الدائرة القريبة منهم على الأقل.

مثلاً: عندما يقوم المدير أو أخصائي الموارد البشرية أو أي شخصٍ آخر من مستوىً تنظيمي أرفع بسؤال الموظفين عن مشاعرهم و آرائهم في قضايا محددة و لا يتمّ التأكد من سريّة أسماء مقدّمي الإجابات فإنّ الموظفين نادراً ما يتجرّؤون على البوح بكل ما لديهم و يصدق هذا خصوصاً عندما يكون منفّذ الاستطلاع هو المشرف المباشر. و مع مراعاة مخاوف الموظفين و احتياطاتهم فإنّ أقلّ وصفٍ يمكن إطلاقه على هذا النوع من الاستطلاعات هو أنّ معلوماتها غير دقيقة و غير كاملة.

ما هي بعض الخطوات الممكنة لحصولك على المعلومات التي تحتاجها و اطمئنانك إلى توفر مزيدٍ من الصحة و الدقة فيها؟

1- استخدام استمارة مطبوعة لا تطلب من الموظف كتابة أيّ تعليق من جانبه و إنمّا تطلب منه التأشير على حقولٍ مخصّصة تعبّر عن درجة موافقته أو معارضته لبيانٍ معيّن.
مثلاً:
أنت مقتنعٌ بتعويضك الماليّ الحالي (اشطب على المربع المعبّر عن رأيك)
• معارض بقوة.
• معارض جزئياً
• معارض
• لا رأي
• موافق جزئياً
• موافق
• موافق بقوة

و يراعى في تصميم السؤال أن يكون متوجهاً للكشف عن المشاعر و ليس عن الخطط، فما يحتاجه المدير و أخصائي الموارد البشرية هو الكشف عن مشاعر الناس تجاه مواضيع و شؤون محدّدة و ليس عن الأفكار المجرّدة. و إذا عادت إليك استماراتك بالكثير من إجابات " لا رأي" فالغالب هو أنّك أمام مشكلةٍ في المصداقية و عليك التفكير في طرقٍ مختلفة لتجميع المعلومات.

2- أن تجد شخصاً أو شركةً يتولى النواحي التقنية في إجراء الاستطلاع و تحليل المعلومات. إذا كان لديك مدقق حسابات معتمد فربما يمكنه القيام بذلك أو تقديم مساعدةٍ تقنية قيمة. أو يمكنك الاستعانة بإرشادات غرف التجارة و الصناعة و الاتحادات و الجمعيات المتخصصة في مجال عملك.

3- الاطلاع على خبرات و تجارب المؤسسات المتخصصة في إعداد و تنفيذ استطلاعات آراء الموظفين. تستطيع هذه الشركات تزويدك بالكثير من التحليلات التفصيلية للاستجابات و بالكثير من المقارنات بين معطيات الدراسات المختلفة المنفذة سابقاً في مؤسسات تشبه مؤسستك.

و إلى جانب ما سبق –أو قبله- فإن من أهم القضايا الواجب التفكير فيها ملياً و التحضير لها:
- هل ستطلع موظفيك على المعلومات الناتجة عن الاستطلاع؟
- هل أنت مستعدٌ للقيام بما يلزم على ضوء معلومات الاستطلاع؟

لو أظهر الاستطلاع أن 65% من موظفيك ساخطون على بيئة العمل فهل أنت مستعدٌ لتداول هذه المعلومات معهم و هل أنت مستعدٌ للتحرك من أجل تحسين بيئة العمل؟

إذا لم تكن مقبلاً على التصرّف بناءً على معلومات الاستطلاع فلماذا تجريه؟ خيرٌ لك أن تثابر على طريقة عملك الحالية و أنت مرتاحٌ مغمض العينين إلى أن تستيقظ فجأةً على رؤية موظفيك يطيرون فجأةً أو يغرقون مع شركتك و تشاهد بالفعل ما كنت ترفض مشاهدته على الورق من قبل.

قبل الشروع في استطلاع مشاعر الموظفين و أفكارهم ينبغي عليك أولاً استطلاع ذاتك و التأكد من أنك تخلّصت من تأثير قناعاتك و أحكامك المسبقة. عندئذٍ ستجد الاستطلاع المتقن تصميمه و تنفيذه يرفع من تنافسية شركتك و يجعلها أكثر استعداداً للتكيف مع مناخات العمل المستمرة في التغيّر.

الخلاصة: في ظلَ الأوضاع الاقتصادية المتردّية أصبح الإتقان و الدقة في معرفة ماذا يشعر و كيف يفكر الموظفون واجباً أشدّ إلحاحاَ.

الخطوة الأولى في تحصيل هذه المعرفة هي مراجعة إجراءات الحصول على التغذية الراجعة من الموظفين، و إذا كانت المعطيات متوفرةً و كافيةً و صحيحة فإن الخطوة الثانية هي الحصول على تحليلٍ مستقل لتلك المعطيات، و بعدئذٍ تأتي الخطوة الثالثة بمقارنة تحليل معطيات الشركة مع دراساتِ الموظفين في شركاتٍ مشابهة من أجل الحصول على فكرةٍ مبدئيّة حول ما ينجح و ما يفشل من الإجراءات المتاحة.

و ينبغي أيضاً مقارنةُ التغذية الراجعة من الموظفين مع رؤية و رسالة المنظّمة للتأكد من نواحي التوازي و التعارض و مشاهدة المزيد من الأسباب الكامنة وراء سخط الموظفين.