-

قواعد في تنمية الذات



بقلم: إسماعيل رفندي .. لكل إنسان طموح، وطموحُ الإنسان الإيجابي التنمية المستمرَّة؛ حيث يبدأ بذاته ولا ينتهي منها، لأنها ترسخ في "لا شعوره" أنَّ التغيير يبدأ من الإنسان وبتغيّره يتغيَّر كل شيء.

لذا فإنَّ المرء إذا أدرك ذلك فلا توقفه العوائق, ولا تقدِّمه في مراحل العمر, ولا انعكاسات الواقع، ويعمل ليل نهار لتطبيق القواعد لتنمية ذاته, وإيقاظ هِمَّته, وتوظيف طاقاته، حتى يصبح رمزًا للإيجابية, وكتلة من الإنتاجية, وذلك باتِّباع القواعد التالية:

• افتخر بإيجابياتك مع تجنُّب كل معانِي الغرور، وسجّل إنجازاتك على صفحات قلبك, وتفكَّر فيها عند مواطن الضعف وأمام التحديات.

• املأ فراغك بالخير, والتَزِمْ ببرنامج متوازنٍ, ولا تَنْسَ مصاحبة الخيّرين من بني جلدتك، وخالط باستمرار مَن يُحِبُّونك ويساهمون في تطويرك.

• من الضروري أن تُحب نفسك ولكن بعيدًا عن آفة العُجب، واحترم ذاتك ولكن على أن لا تنسى قواعد التواضع وخفض الجناح.

• عبِّر عما في باطنك, ولكن وفق خطوات مدروسة, وإيّاك أن تقع في شباك الانفعال و التحامل.

• اشكر مَن أحسنَ إليك, وقدّر من أثنى عليك، ولكن لا تخادع بعدم معرفتك لذاتك، ولا تتغنَّى مع أنغام المديح.

• ليكن اكتشافك لذاتك من أكبر مشاريع حياتك؛ لأنك بذلك تعرف مدى صلاحيتك, هل أنت على مستوى الأداء أم لا.

• حصّن ذهنك من الأفكار السلبية, وقاوِم الموجات السوداوية, وإياك أن تستقبل رسائل ليست في صالحك.

• إنَّ الله سبحانه وتعالى أكرمنا منذ أن خلقنا, وأكد في محكم تنزيله أنه أكرمنا, فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} فلا تتنازل عن هذا التكريم بعقدة النقص, وضعف الثقة بالنفس, وعدم معرفة الواجب.

• ليكن عتابك لذاتك مراجعة لها لا إحباطًا ولومًا، تصحيحًا لا هزيمة، ولا تتقمص في لباس (أنا لست في المستوى المطلوب).

• تأجيل الأعمال شيء طبيعي إذا كان مدروسًا أو ضمن مرونة الخطة، أما إذا كان كسلًا أو عشوائيًا أو وقعت في شباك اللامبالاة فالحَذَرَ الحذر؛ لأنك بذلك ستخسر نفسك و الواجب معًا.

• عند كل صباح أنوي على أن تعيش باستقامة؛ لأنها منبع الكرامة، فإذا وقعت نفسك في خطأ فأسرع في مراجعتها بتوبة نصوحة.

• من الضروري أن تستفيد من تجارب الآخرين نجاحًا وفشلاً، نجاحًا للاقتداء وفشلاً للاتقاء، ولكن لا تنس أن عندك تجارب ذاتية, فاغتنمها, وأعدها, وكررها إذا كان يسرك.

• اجعل ما تقوم به من الأعمال والواجبات صغيرًا كان أو كبيرًا وفي أي مجال كان، من ضمن حساباتك، لذا لا تَسْتَهِن بابتسامة, أو إلقاء محاضرة, ولا تستخف بجلسة استرخاء, أو مكافأة الذات بسفرة سياحية.

• اعلم أنه ليس بإمكان أحد أن يدخل في أغوار باطنك عقلًا, ونفسًا, وروحًا, دون موافقتك، دائمًا راجع جهاز الاستقبال عندك، ومدى تدقيقه في اختيار الأمور, ومدى دقته في التوافق مع الرغبات.

• إنَّ الخطأ هو أن لا تبدأ, وليس أن لا تخطأ؛ لأن الإبداع لا يأتي دون تجارب فاشلة، فلا تجعل في قاموسك كلمة اسمها فشل, ولكن هو التواصل ومحطة من محطات المراجعة.

• اقرأ هذه القواعد كل أسبوع مرة واحدة وفي أنشط أوقاتك، ولا تتركها في صفحات حساباتك النظرية، فلا يأتي الإنتاج إلا بالإتباع.

نظريات التحفيز




فريدريك تايلور كان من أوائل الناس الذي تحدثوا عن التحفيز. كان ذلك في عالم 1911 عندما ركز تايلوز على أهمية الحوافز المادية. افترض تايلور أن الموظفين كسالى، ولا يمكن تحفيزهم إلا من خلال الرواتب والحوافز المالية فقط. وللوصول لنظام عادل للرواتب والحوافز، اقترح تايلور أن يتم تقجزير العمل أو الوظيفة إلى أجزاء صغيرة، ومن ثم دراسة هذه الأجزاء لإيجاد أفضل طريقة للقيام بها وتنفيذها، وأخيرا، دمج هذه الأجزاء ثانية بشكل فعال. هذه العملية كانت تسمى "دراسة الحركة والوقت Time-and-Motion Study".

الانتقادات الرئيسية لهذه النظرية هي:

مساواة تايلور بين البشر والآلات.
افتراض تايلور أن "الموظفين لا يمكن تحفيزهم إلا بالمال" غير دقيق.
افتراض وجود "أفضل طريقة لأداء العمل" ليس منطقيا دائما.
حركة العلاقات الإنسانية:

في العشرينات من القرن الماضي، ظهرت حركة جديدة تسمى حركة العلاقات الإنسانية تركز على أهمية تحسن العلاقات في بيئة العمل، مثل تحسين الاتصال بين الموظفين والمشرفين عليهم، وإتاحة مجال أكبر للتحاور وإبداء الآراء. هذه النظرية مبنية على دراسة أظهر زيادة بمقدار 30% في الإنتاجية بعد تطبيق التغييرات المذكورة. إلا أن هذه النظرية انتقدت لأنها ركزت على طريقة واحدة فقط كطريقة مثلى للتحفيز.

كانت دراسة هاوثورن إحدى الدراسات الرئيسية في هذا المذهب. ففي عام 1924 وفي مصنع Hawthorne التابع لشركة Westren Electric تم عزل مجموعة من النساء ووضعهم في غرفة خاصة لإنتاج أدوات كهربائية لكن في ظروف عمل جديدة. حيث عام الباحثون بتقديم وجبات غداء مجانية، وساعات عمل أقل، وفترات راحة أكثر. كما تم السماح للموظفين بالقيام بالعمل على شكل مجموعات صغيرة. بالإضافة لتغيير في نظام الحوافز المالية. بجانب هذه التغييرات "المادية" تمت تغييرات في نظام الإدارة. حيث أصبح المشرفون اجتماعيين وأكثر تفهما.

ولاحظ الدارسون أن الإنتاجية قد زادت بعد هذه التغييرات. وكان الاستنتاج الأولي أن "التغييرات المادية" هي السبب. لكن بعد عمل تغييرات سلبية، كتقليل الإضاءة أو زيادة درجة حرارة الغرفة لحد يصعب العمل فيه، كانت الانتاجية لا تزال في ارتفاع. من ذلك استنتج الباحثون أن سبب زيادة الانتاجية ليست التغييرات في بيئة العمل، وإنما في طريقة إدارة العاملين. فكلما زادت الروح الاجتماعية بين الموظفين، زادت إنتاجيتهم.

هرم ماسلو للحاجات:

نظرية ماسول من أشهر نظريات التحفيز. فبعد عقدين من حركة العلاقات الإنسانية، حدد إبراهام ماسلو هرم للحاجات الإنسانية يتكون من خمس مستويات. هذه المستويات هي:

فسيولوجيّ : الحاجات البيولوجيّة الأساسيّة المهمّة للبقاء.
الأمن : الحاجة للحماية ضد خطر.
اجتماعيّ : الحاجة للحبّ, الصّداقة, القبول و الانتماء لجماعة.
التّقدير : الحاجة لاحترام الذّات, الثّقة, السّلطة والاحترام من الآخرين.
إدراك ذات : الحاجة للإنجاز.
ويمكن تلخيص نظرية ماسلو كالتالي:

اعتقد ماسلو أنه عند إشباع أي مستوى من الحاجات، لا يعود هذا المستوى محفزا للفرد. وسيتطلب إشباع الحاجات التي في المستوى الأعلى. سيظل الأفراد محفزين دائما، طلما يتم إشباع رغباتهم المستوى تلو الآخر، حتى يصلو للمستوى الأخير "إدراك الذات". لذلك حتى يتمكن المدراء من تحفيز موظفيهم، يجب عليهم أولا أن يحددوا المستوى الذي يحتاجه الفرد، ومن ثم إشباعه، والارتقاء حتى الوصول لآخر مستوى.

بالنسبة لانتقادات نظرية ماسلو، يرى النقاد ان الحاجات وأولوية هذه الحاجات تختلف من فرد لآخر. بالإضافة لعدم وجود أبحاث وأدلة كافية تدعم هرم الحاجات.

نموذج العاملـَـيْن لهيرزبيرج:

طوّر هيرزبيرج نموذج "العاملـَـيْن" في عام 1957 بعد أن قام مقابلات مع مجموعة من العاملين بغرض تحديد أسباب الرضى وعدم الرضى الوظيفي. فوجد أن الموظفين يمكن تحفيزهم من خلال محفزات داخلية، وهو العامل الأول. المحفزات الداخلية هي أمور توجد في الوظيفة أو العمل نفسه، المسؤولية، والإنجاز. أما العامل الآخر فهو المحفزات الخارجية. إلا أن هذه المخفزات لا تزيد من الرضى الوظيفي، وإنما وجودها أو زيادها يمنع عدم الرضى. أمثلة على هذه المحفزات: الراتب، ظروف العمل، وسياسات الشركة بشكل عام.

إلا أن الأكاديميين ينتقدون نظرية هيرزبيرج، كونه لم يحاول معرفة وتقييم العلاقة بين الرضى الوظيفي والأداء. إلا أن هذه النظرية انتشرت كثيرا، لأنها استـُنتِجَت من بيئة عمل حقيقية. بالإضافة لكونها سهلة الفهم.

نظرية الإنصاف:

أسس النظرية رجل يدعى آدمز في عالم 1965. ومحور هذه النظرية هو أن الناس يمكن تحفيزهم بشكل أفضل إن تم معاملتهم بإنصاف، والعكس صحيح، فإن عدم الإنصاف في معاملتهم سيؤدي إلى تثبيطهم. والإنصاف يعني معاملة الجميع بشكل عادل. مثال على ذلك: إذا أحس موظف ما أنه لم يكافأ بشكل مقارنة بالموظفين الآخرين الذي قاموا بنفس العمل وحصلوا على مكافآت أفضل، فهذا الموظف سيثبّط وتقل حافزيته للعمل والإنجاز. من الضروري ملاحظة أن الإنصاف لا تعني المساواة. فعندما يعامل الجميع بشكل متساوي قد يعني ذلك عدم إنصاف بعض العاملين الذين قاموا بعمل أفضل من غيرهم وبالتالي يستحقون مكافآت أو معاملة أفضل.

وتقسّم هذه النظرية الإنصاف إلى نوعين: إنصاف في التوزيع، وإنصاف في الإجراءات. الإنصاف في التوزيع يتعلق بالتوزيع العادل للمكافآت المتعلقة بالأداء. أما الإنصاف في الإجراءات فيتعلق بسياسات وإجراءت الشركة كالترقيات، والعقوبات، وتقييم الموظفين.

عند تقبيق هذه النظرية، يفترض وجود ثلاثة أنواع من الموظفين. النوع الأول هم الموظفين الذين يظنون أنهم يعاملون بإنصاف، وبالتالي فهم متحفزون للعمل. والصنف الثاني هم الذي يظنون أنهم يحصلون على أقل مما يستحقون، وبالتالي سيقوم هؤلاء بتقليل الجهد المبذول. وصنف ثالث يظنون أنهم يحصلون على أكثر مما يستحقون، وبالتالي سيشعرون بالذنب، ويزيدون من جهدهم نتيجة هذا الشعور بالذنب. لكن، ليس الكل سيشعر دائما بالذنب، ولا يقوم الكل بزيادة جهده عادة حتى وإن كانوا يحصلون على أكثر مما يستحقون. فمن السهل أن يبقي الشخص على أداءه بنفس المستوى ويقارن نفسه مع موظف آخر يحصل على نفس الراتب أو المكافآت.

نظرية الأهداف:

أسس هذه النظرية كل من ليثام ولوك في عام 1979. ومحور النظرية يدور حول مشاركة العاملين في وضع الأهداف. فإن كانت للموظفين أهداف محددة قاموا بالمشاركة في وضعها فإن ذلك يحفّزهم للعمل. إضافة إلى ذلك، فإن وجود تغذية راجعة (Feedback) مستمرة حول الأداء يساعد في بقاء الموظف في المسار الصحيح.

نظرية التوقعات:

كان فروم أول من تحدّث عن مفهوم التوقعات في عام 1964. بعد ذلك بأربع سنوات، قام كل من بورتر ولاولر بتعديل النظرية. يمكن توضيح نظرية التوقعات بالشكل التالي:







نموذج التوقعات للتحفيز والرضى الوضيفي

تمثل الصناديق السوداء في الشكل المبادئ الأساسية في نظرية التوقعات، أما الصناديق المنقطة فتعبر عن مساهمات النظريات الأخرى في نموذج التوقعات. ترى نظرية التوقعات أن درجة التحفيز للعمل تعتمد على عاملين أساسيين هما: قيمة الحوافز أو أهميتها بالنسبة للموظف، و توقعاته حول الجهد والحفوافز. الحوافز هي ما يحصل عليه الرد عند نجاحه أو فشله في إنجاز مهمة معينة. قد تكون الحواغز إيجابية، بحيث تشبع حاجات الفرد، كزيادة في الراتب أو قبول أوسع اجتماعيا. وقد تكون الحوافز سلبية، وذلك لمنع الموقع من الوقوع في نفس الخطأ مرة أخرى، كخصم في الراتب. وبما أن الناس لديهم احتياجات مختلفة، فأهمية الحافز ستكون مختلفة من شخص لآخر. مثلا، قد يرى البعض أن المال أهم حافز له ليعمل، بينما يرى آخرون أن الإنجاز أو القبول في المجتمع أهم.

العامل الثاني الذي يحدد مستوى التحفيز هو التوقعات حول الجهد والحوافز. هذا العامل يتشكل من أمرين. الأول: معتقدات الفرد حول مستوى الأداء الذي يجب بذله، والثاني: توقعات الفرد حول الحوافز التي سينالها. الجزء الأول يتعلق بقدرات الفرد وثقته في نفسه أي توقعاته حول أقصى مستوى من الأداء بإمكانه تحقيقه. أما الجزء الآخر فيتعلق بالمنظمة وإن كانت ستعطيه الحوافز التي يستحقها أم لا. المثال التالي يوضح كيفية تفاعل هذه العوامل مع بعضها البعض: طلب من موظف المبيعات بيع 2000 جهاز خلال سنة لترقيته. لن يكون هذا الأمر محفّزا لموظف المبيعات في الحالات التالية:

إذا كان يعتقد أنه ليس بمقدوره بيع 2000 جهاز في سنة واحدة.
إذا كان يعتقد أن الشركة لن تقوم بترقيته حتى لو حقق الهدف.
إذا لم يكن يرغب في الترقية أصلا.
الجهد المبذول لإنجاز المهمة ليس العامل الوحيد لتحديد مستوى الأداء، حيث توجد عوامل أخرى مثل: وجود أهداف واضحة ومفهومة، توفر المعلومات والمهارات المطلوبة لتحقيق الأهداف، وتوفر المعدات والمواد الخام وكل الموارد الأخرى المطلوبة لتنفيذ المهمة.

يمكن الحصول على نوعين من المحفزات بعد تنفيذ المهمة: داخلية، وخارجية. يقصد بالمحفزات الداخلية، الأمور المشجعة التي يحصل عليها الفرد إثر إنجازه للمهمة مثل الشعور بالفخر. أما المحفزات الخارجية فهي التي تقدمها المنظمة أو الموظفين للشخص كزياة في الراتب والقبول الاجتماعي. وبشكل عام، يقوم الموظفون عادة بمكافأة أنفسهم (بالحوافز الداخلية) تلقائيا بعد إنجاز المهمة. وهذه المحفزات (الداخلية والخارجية) تحتد مستوى الرضى لدى العمال.

الخطوات السابقة توضح كيفية استجابة الأفراد للمحفزات عند قيامهم بالأعمال لأول مرة. أما عند القيام بنفس المهمة أو العمل لأكثر من مرة، فسيتوفر للموظف معلومات حول الحوافز التي تقدمها المنظمة، وهذه المعلومات ستؤثر على توقعات الأفراد حول الجهد والحوافز وحول قيمة الحوافز لديهم. لذلك يرى بعد الكتاب أهمية بناء نظام للتغذية الراجعة وذلك لتحسين العملية من خلال الاستماع لملاحظات وآراء الآخرين.

المراجع:

Armstrong, M. (2001) A Handbook of Human Resource Management Practice. London: Kogan Page Limited.

Gill, J. and Johnson, P. (2002) Research Methods for Managers London: SAGE Publication

Jones, R. (1996) Research methods in the social and behavioral sciences Second edition, Sunderland, Massachusetts: Sinauer Associates.

Marchington, M. and Wilkinson A. (2002) People Management and Development. London: Chartered Institute of Personnel and Development.

Roberts, I. (2001) Reward and performance management. In: I. Beardwell And L. Holden (ed.) Human Resource Management a contemporary approach. London: Financial Times. Pp. 506-558.

Wright, P. (1990) Motivation and Job Satisfaction. In: C. Molander (ed). Human Resource Management. Chartwell-Bratt. Pp. 96-118.


إعداد: خالد الحر


هل يفكر المديرون كما يفكر موظف هذا العصر

هل تعرف حقاً ماذا يريد موظفوك... راجع حساباتك!
ميكاييل هولشو و سكوت فلاندر

طوال العقود الماضية كان يبدو أن معظم الإداريين يعرفون ما الذي يجعل الموظّفين موالين لمنظّماتهم و ما الذي يجعلهم سعداء في أعمالهم. كان أغلب الاستطلاعات و الدراسات و جهود التطوير و التوعية يركّز على ما يزعم أنها الأسئلة الأهم أو التي ينبغي أن تكون الأهم لدى كلّ الموظفين: (هل تقدرني منظمتي حقّ قدري؟) (هل أنا جزءٌ مهمّ متكاملٌ مع بقية الأجزاء في منظّمتي؟)

معظم الاستطلاعات المنفّذة في العقدين الماضيين كان يشير دائماً إلى عاملٍ واحد في القمة أو قريباً منها على الدوام (المناخ الإداري السائد في المنظّمة) و يليه في الأهمية العلاقة مع المشرف المباشر.

و كان يقال -و ما يزال- للموظفين إنّ المال يقع في الدرجة السادسة أو السابعة قريباً من أسفل قائمة اهتمامات الإنسان و عوامل بناء الموالاة لديه.

هل يفكّر المديرون كما يفكّر موظّف هذا العصر حقاً؟
أظهرت دراسة حديثة شملت أكثر من 500 مدير للموارد البشرية و نحو 3000 موظف أجرتها مؤسسة هاريس إنترآكتيف البحثية لصالح شركة سفيريون المتخصصة في تأمين العمالة أن كثيراً من اختصاصيي الموارد البشرية في أيامنا هذه باتوا بعيدين بعداً هائلاً عن التصوّر الواقعي للأمور التي تسعد موظفيهم و تجعلهم موالين للمنظمات التي يعملون فيها.

فبعد أن طلب من مديري الموارد البشرية أن يرتّبوا أهمّ العوامل في موالاة الموظفين و في سعادتهم بعملهم وضعوا المناخ الإداري في الدرجة الأولى ثم أتبعوه في المرتبة الثانية بعلاقة الموظف مع المشرف المباشر.

و أمّا الموظفون فقد أجابوا على السؤال ذاته باختيار الرعاية الصحيّة و المزايا الأخرى، و التعويض المالي، و فرص النموّ و إمكانيات زيادة الكسب لتشغل المراتب الثلاث الأولى. و أما المناخ الإداري فقد وضعوه رابعاً و تركوا للعلاقة مع المشرف المباشر المرتبة السابعة!

و مقابل هذا التطوّر في تقديرات الموظفين نجد كثيراً من المديرين و ضمنهم - مديرو الموارد البشرية- ما يزالون يضعون المسائل المالية و المادية في المرتبة السابعة.




لماذا يتغيّر الواقع و لماذا لا يرى تغيّره كثير من المديرين؟
ما القصة يا ترى؟ ما هي أسباب هذه التحولات الكبيرة في الواقع و هذه الثغرات الكبيرة في وجهات النظر؟

تعتقد لوريتا بين - الإدارية في شركة سفيريون التي أجريت الدراسة السابقة لصالحها- أن كثيراً من الشركات ليس لديها وسائل فعالة لمعرفة ما يجول في صدور و رؤوس موظفيها. إن تحصيل هذه المعرفة ليس بالأمر السهل أبداً و أول ما يتطلبه هو التزام كل حلقات الإدارة به و خصوصاً الإدارة العليا.

في مقابل هذا الالتزام المطلوب ماذا نرى؟
تقول بين "بسبب تعدّد الاهتمامات و المشاريع أمام المدير فإننا نراه يوكل أحد تابعيه المباشرين – مدير الموارد البشرية غالباً- بإجراء تقويم لرضا الموظفين في الشركة. يضع المدير الموكل هذه المهمة على لائحة مهماته و يجري زياراتٍ ميدانية إلى بعض مكاتب الشركة و مواقع عملها ليحصل على إجابات يقول مجموعها "كل شيءٍ بخير و لا داعي للقلق أبداً" و زيادةً في الاطمئنان يتبع هذه الزيارات حفلة تكريم مخصّصة لإبراز تقدير الشركة لموظفيها و ربما يقوم مدير الموارد البشرية بمزيدٍ من البحث بين حضور الحفلة ليحصل – بالتأكيد- على الإجابات السارّة التي يتمنّاها".

و يقول جوني تايلور صاحب الخبرة التنفيذية الرفيعة في إدارة الموارد البشرية " إن تصاعد التركيز على التعويض المالي و النواحي المادية الأخرى هو انعكاس لما يحدث في الاقتصاد. إننا نشهد اليوم بين الموظفين اهتماماً عميقاً و منتشراً بالأمان الوظيفي في الوقت الذي يرون فيه ممتلكاتهم و وظائفهم تتبخر من بين أيديهم أو تكاد" و يرى جوني أن كثيراً من مديري الموارد البشرية بعيدون عن الإدراك الدقيق لاهتمامات الموظفين الحاليّة.

لقد نشؤوا على مبادئ إدارة الموارد البشرية التي تنصّ على أن الأهم للناس هو المناخ الإداري و ليس المال، كيف يُعامل الناس و كيف يُعبّر عن احترامهم و ليس علامَ يحصلون.

ويتابع جوني: بالنظر إلى أن مرتبات كثير من المدراء تبقى في كلّ الأحوال كافيةً لتجنيبهم مساوئ الغلاء و التضخم و التكاليف المتزايدة التي يتحملها أغلب الموظفين و العاملين و بالنظر إلى أنه عندما تضطر الشركات إلى ترشيق بنيتها بالتخلّي عن موظّفيها فإن هؤلاء المديرين -الممسكين بالمقص- هم آخر من يقلق على مستقبله و آخر من يفكّر في جعل الأمان الوظيفي أولويةً لا يتقدم عليها أي اعتبارٍ من اعتباراتِ مناخ العمل و علاقاته.

هنالك قدرٌ لا يستهان به من الإنكار في محافل إدارة الموارد البشرية، إنهم لا يريدون رؤية أن الناس يعملون لأجل المال. و لكن لا يمكن الاستمرار في ذلك أبداً. لا بدّ من الإقرار بأن الناس يوشكون على فقدان الثقة بالاقتصاد و بما تحمله الأيام القادمة

كيف نعرف فيمَ يفكّر الموظّفون معرفةً صحيحة:
من أهم العوامل في تشويه صورة الواقع لدى المديرين و أخصائيي الموارد البشرية الخللُ في أساليب تحصيل المعلومات و عدم انتباه المديرين إلى هذا الخلل. إنّهم يحصّلون كلّ معلوماتهم بطرقٍ غير مباشرة ثم لا يدقّقون معلوماتهم و لا يحدِّثون قناعاتهم بناءً على الملاحظة المباشرة لتغيّر ظروف العمل و تغيّر احتياجات الناس و مواقفهم و بناءً على العلاقات الإنسانية الصحيّة ضمن الدائرة القريبة منهم على الأقل.

مثلاً: عندما يقوم المدير أو أخصائي الموارد البشرية أو أي شخصٍ آخر من مستوىً تنظيمي أرفع بسؤال الموظفين عن مشاعرهم و آرائهم في قضايا محددة و لا يتمّ التأكد من سريّة أسماء مقدّمي الإجابات فإنّ الموظفين نادراً ما يتجرّؤون على البوح بكل ما لديهم و يصدق هذا خصوصاً عندما يكون منفّذ الاستطلاع هو المشرف المباشر. و مع مراعاة مخاوف الموظفين و احتياطاتهم فإنّ أقلّ وصفٍ يمكن إطلاقه على هذا النوع من الاستطلاعات هو أنّ معلوماتها غير دقيقة و غير كاملة.

ما هي بعض الخطوات الممكنة لحصولك على المعلومات التي تحتاجها و اطمئنانك إلى توفر مزيدٍ من الصحة و الدقة فيها؟

1- استخدام استمارة مطبوعة لا تطلب من الموظف كتابة أيّ تعليق من جانبه و إنمّا تطلب منه التأشير على حقولٍ مخصّصة تعبّر عن درجة موافقته أو معارضته لبيانٍ معيّن.
مثلاً:
أنت مقتنعٌ بتعويضك الماليّ الحالي (اشطب على المربع المعبّر عن رأيك)
• معارض بقوة.
• معارض جزئياً
• معارض
• لا رأي
• موافق جزئياً
• موافق
• موافق بقوة

و يراعى في تصميم السؤال أن يكون متوجهاً للكشف عن المشاعر و ليس عن الخطط، فما يحتاجه المدير و أخصائي الموارد البشرية هو الكشف عن مشاعر الناس تجاه مواضيع و شؤون محدّدة و ليس عن الأفكار المجرّدة. و إذا عادت إليك استماراتك بالكثير من إجابات " لا رأي" فالغالب هو أنّك أمام مشكلةٍ في المصداقية و عليك التفكير في طرقٍ مختلفة لتجميع المعلومات.

2- أن تجد شخصاً أو شركةً يتولى النواحي التقنية في إجراء الاستطلاع و تحليل المعلومات. إذا كان لديك مدقق حسابات معتمد فربما يمكنه القيام بذلك أو تقديم مساعدةٍ تقنية قيمة. أو يمكنك الاستعانة بإرشادات غرف التجارة و الصناعة و الاتحادات و الجمعيات المتخصصة في مجال عملك.

3- الاطلاع على خبرات و تجارب المؤسسات المتخصصة في إعداد و تنفيذ استطلاعات آراء الموظفين. تستطيع هذه الشركات تزويدك بالكثير من التحليلات التفصيلية للاستجابات و بالكثير من المقارنات بين معطيات الدراسات المختلفة المنفذة سابقاً في مؤسسات تشبه مؤسستك.

و إلى جانب ما سبق –أو قبله- فإن من أهم القضايا الواجب التفكير فيها ملياً و التحضير لها:
- هل ستطلع موظفيك على المعلومات الناتجة عن الاستطلاع؟
- هل أنت مستعدٌ للقيام بما يلزم على ضوء معلومات الاستطلاع؟

لو أظهر الاستطلاع أن 65% من موظفيك ساخطون على بيئة العمل فهل أنت مستعدٌ لتداول هذه المعلومات معهم و هل أنت مستعدٌ للتحرك من أجل تحسين بيئة العمل؟

إذا لم تكن مقبلاً على التصرّف بناءً على معلومات الاستطلاع فلماذا تجريه؟ خيرٌ لك أن تثابر على طريقة عملك الحالية و أنت مرتاحٌ مغمض العينين إلى أن تستيقظ فجأةً على رؤية موظفيك يطيرون فجأةً أو يغرقون مع شركتك و تشاهد بالفعل ما كنت ترفض مشاهدته على الورق من قبل.

قبل الشروع في استطلاع مشاعر الموظفين و أفكارهم ينبغي عليك أولاً استطلاع ذاتك و التأكد من أنك تخلّصت من تأثير قناعاتك و أحكامك المسبقة. عندئذٍ ستجد الاستطلاع المتقن تصميمه و تنفيذه يرفع من تنافسية شركتك و يجعلها أكثر استعداداً للتكيف مع مناخات العمل المستمرة في التغيّر.

الخلاصة: في ظلَ الأوضاع الاقتصادية المتردّية أصبح الإتقان و الدقة في معرفة ماذا يشعر و كيف يفكر الموظفون واجباً أشدّ إلحاحاَ.

الخطوة الأولى في تحصيل هذه المعرفة هي مراجعة إجراءات الحصول على التغذية الراجعة من الموظفين، و إذا كانت المعطيات متوفرةً و كافيةً و صحيحة فإن الخطوة الثانية هي الحصول على تحليلٍ مستقل لتلك المعطيات، و بعدئذٍ تأتي الخطوة الثالثة بمقارنة تحليل معطيات الشركة مع دراساتِ الموظفين في شركاتٍ مشابهة من أجل الحصول على فكرةٍ مبدئيّة حول ما ينجح و ما يفشل من الإجراءات المتاحة.

و ينبغي أيضاً مقارنةُ التغذية الراجعة من الموظفين مع رؤية و رسالة المنظّمة للتأكد من نواحي التوازي و التعارض و مشاهدة المزيد من الأسباب الكامنة وراء سخط الموظفين.